الصفحة الأولى  التاريخ والتراث

  جزيرة تاروت بشرق السعودية تسبب جدلا بين الباحثين والمؤرخين حول أصل تسميتها:

اتفاق على أنها «عشتاروت» إلهة الجمال الفينيقية قبل حذف جزء من اسمها

تاريخ الإضافة :27-04-1428هـ

 

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط  ،، العدد 8384 -24 -08- 1422 هـ

جدة: عبير رفعت


جزيرة تاروت، التي تعد أكبر جزيرة في المملكة العربية السعودية، والتي تجاور شاطئ الخليج العربي، كانت وما زالت لغزاً يغري الباحثين والمؤرخين بالتخمين حول اصل تسميتها أو اهمية آثارها التي يعود تاريخها الى خمسة آلاف سنة. وقد بذل الباحثون والمؤرخون جهداً كبيراً في مسألة تسمية هذه الجزيرة، وبرز بينهم اختلاف كبير في وجهات النظر، بيد أن الاتجاه السائد حالياً هو ان الاسم جاء من آلهة الجمال الفينيقية عشتاروت، حذف المقطع «عش» وبقي مقطعا «تاروت».

* الجزيرة الأثرية

* تقع جزيرة تاروت الى الشرق من مدينة القطيف داخل خور واسع من البحر ويحيط به غرباً ساحل القطيف وجنوباً ساحل الدمام وشمالاً رأس تنورة الممتد الى محاذاة الجزيرة من الشرق. وتعد تاروت أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل السعودية رقعة، بل هي أكبر جزيرة على الساحل الغربي للخليج بعد جزيرة البحرين. ويبعد طرفها القريب من الساحل حوالي ميلين شرق شمال مدينة القطيف وهي تتصل عند انخفاض الماء باليابسة عن طريق مخاضة يبلغ طولها ميلاً شمال ما يعرف بـ«كوت القطيف». وحالياً تربط الجزيرة حالياً بالقطيف طريق مدتها عبر مياه الخليج الحكومة السعودية بطول حوالي خمسة أميال وعرض 15 متراً. وقد وسعت هذه الطريق باضافة 15 متراً الى عرضها قبل ثلاث سنوات وزينت جوانبها. وقال الكابتن ج. فورستر سادلر الذي كتب عن هذه الجزيرة أثناء رحلته عبر الجزيرة العربية خلال عام 1919 «أما جزيرة تاروت فتقع في الوسط متجهة نحو قمة الخليج يبلغ طولها عشرة أميال ممتدة بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي، غرست فيها أشجار النخيل بشكل كثيف ولديها زاد كاف من الماء. تبرز ضفة من هذه الجزيرة باتجاه فتحة الخليج على شكل صـدفة محارية ذات سلسلة من النتوءات المتخذة شكلاً دائرياً..».

* الاختلاف على الاسم

* ويتفق المؤرخون على أن بلدة تاروت تعد واحدة من أقدم مدن التاريخ يقدّر عمرها بخمسة آلاف سنة على أقل تقدير، فقد كانت مسكناً لمزيج من القبائل الكنعانية والفينيقية. غير ان المؤرخين والباحثين طالما اختلفوا على اصل اسمها، الذي يقال انه يعني في اللغات السامية «الخير والجمال». فقد دوِّن هذا الاسم في كتب اليونان اما كـ«تارو» TARO او «ثارو» THARRO او «توارو» TWAROO. وكذلك دوِّن في كتب قدماء الصين «تارو» TARU. لكن مؤرخين آخرين رأوا أن الأصل هو «تيروس» TARUS أو «تاروس» TARRUS ومنه اشتق اسمها الحالي. وفي الكثير من كتب التراث والتاريخ القديم ـ منها جغرافية بطليموس ـ ورد اسم «عشتاروت» و«عشتروت» الالهة الفينيقية. ولقد استمر الاختلاف بين الباحثين المحدثين فاختار كل منهم اسماً يراه مناسباً من وجهة نظره. فالباحث محمد سعيد المسلم كان له أثر على من تلاه من الباحثين والمؤرخين مثل المسعري وأبو بكر عبد الله محمد، والثلاثة أرجعوا أصل التسمية الى «تيروس». وفي المقابل ذهب أغلب المؤرخين الى ترجيح اصل «عشتاروت». وفي هذا الاتجاه سار بعض المؤرخين المحدثين مثل علي ابراهيم الدروة الذي يقول ان مسميات كـ«تيروس» او «تاروس» او «تارو» او «عشتاروت» كانت كلها تسميات تطلقها كل أمة من الامم على هذه الجزيرة بلغتها القومية. وحسب بعض الباحثين المتأخرين، تقوم البلدة الحالية على أنقاض بلدة قديمة كما يبدو من أسس البناء، تتكون من صخور ضخمة تحيط بمجرى العين الحالية. وتقع العين نفسها داخل البلدة تحت ربوة عالية هي من بقايا قلعة مرتفعة البناء منيفة شيدت في العصور المتأخرة على تل. ويرى البعض من المتأخرين أن هذا الموقع كان هيكلاً للوثن «عشروت» ومنه أُشتق اسم الجزيرة.

* إلهة الجمال

* ولعل كون الاسم الأصلي لتاروت ـ كما يقول الدروة ـ مشتق من اسم المعبودة الفينيقية، مما يؤكد سكن الفينيقيين على الشاطئ الغربي للخليج. ويرى محمد بن صالح الفارس، وهو رجل الآثار المعروف بمنطقة القطيف له رأي في اصل التسمية، انه من الضروري اسناد النظرية الى لقى وقرائن ووثائق تاريخية متمثلة في التنقيبات الآثارية وآراء الخبراء الاثريين. وهو يقول في هذا السياق «لقد عثر على أحجار كريمة فينيقية منذ أعوام طويلة من بينها حجر غير شفاف حليبي اللون صار بحوزة الأديب الراحل خالد الفرج، يحتوي على صورة رائعة لآلهة الجمال عشتاروت. وأشار الى ذلك الاديب الشيخ حمد الجاسر بمحاضرة ألقاها بجامعة الملك فيصل عن العلاء بن الحضرمي حاكم البحرين. ومما كتبه الشيخ حمد الجاسر «ان الجزيرة كانت موطناً قديماً للفينيقيين قبل نزوحهم الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. فقد جاء في تاريخ لبنان نقلاً عن بعض مؤرخي اليونان، بأن أهل هذه الجزيرة كانوا يباهون بأنهم هم الذين أسّسوا صور وارواد ولا تخلو هذه الجزيرة من بعض آثارهم». ويرى آخرون بأن اسمها في الأصل «عشتاروت»... فحذف منـه المقطع الأول اختصاراً وصارت تعرف بالمقطعين الأخيرين «تاروت». و«عشتاروت» اسم للبعلة معبودة الفينيقيين التي كانوا يقدمون لها الذبائح البشرية والتي لها تماثيل مجسمة في دير القلعة بلبنان».

* أرض الفينيقيين

* المصادر التاريخية تشير ايضاً الى ان ارض الفينيقيين كانت خصبة خضراء فيها ينابيع متدفقة، ومن هنا أطلقوا عليها اسم معبودتهم على أرضهم الجميلة ليكون اسماً أصلياً لها. وواضح هنا أن الأهمية التي اعطاها الفينيقيون لهذه الجزيرة تكمن في نقطتين هامتين، هما:

1 ـ كونها موطنهم الأصلي 2 ـ موقعها الاستراتيجي المتميز في منطقة الخليج. فهي مرفأ تجاري ممتاز للسفن وكانت تستورد الأخشاب والتوابل من العالم آنذاك، وتخرج منها مراكب الفينيقيين محملة بخيرات أرضهم ومصنوعاتهم المحلية لدول العالم. وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر بأن جزيرة تاروت من الموانئ الهامة في الخليج، مضيفاً «تعتبر جزيرة تاروت من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف، فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن موانئ الهند. وقد عثر منذ أعوام في أحد بساتينها على تمثال من الذهب الخالص للبعلة «عشتاروت» وما غير عليه من أوان فخارية وتماثيل أخرى ترجع الى العهد الفينيقي، ويكفي نظرة في متحف الرياض الوطني ليرى الانسان آثار الفينيقيين التي عثر عليها في هذه الجزيرة».

Free Web Hosting