الصفحة الأولى  التاريخ والتراث

  التسمية التاريخية لجزيرة تاروت:

تاريخ الإضافة :27-04-1428هـ

 

المصدر: من تراث جزيرة تاروت

الكاتب: عبد الله آل عبد المحسن

 

إن هذه الجزيرة تعد واحدة من أقدم مدن التاريخ يقدر عمرها بخمسة الآف سنة على أقل تقدير . فقد كانت مسكنا لمزيج من العشائر الكنعانية و الفنيقية . ويعني إسمها في اللغات السامية (الخير والجمال) ودونت في كتب اليونان بإسم ((تارو TARO)) و((ثارو ,TWARO THARRO)) وكذا دونت في كتب قدماء الصين بنفس الاسم TARU ودونت في الكثير من كتب التراث والتاريخ القديم بإسم ((عشتاروت ))و (( عشتروت )) وارجع البعض إسمها الى ((تيروس )).
ولقد اختلف المورخون في اصل التسمية لهذه الجزيرة ، وذهبوا مذاهب شتى فراى البعض (( ان اسمها الاصلي ((تيروس TARUS )) أو (( تاروس TARRUS)) ومنها اشتق اسمها الحالي ))
اما اليونان فقد اطلقوا عليها اسم ((تارو TARO)) كما جاء في جغرافية بطليموس )) أو عشتروت ((إسم المعبود الفينقي بعد حذف أول الاسم ))
ويذهب الكثيرون من المورخين الى ان ((اسمها الاصلي عشتاروت ، او عشتروت والتي يرى البعض من المتأخرين ان البلدة الحلية تقومعلى أنقاض بلدة قديمة كما يبدو من أسس البناء والتي تتكون من صخور ضخمة تحيط بمجرى العين الحالية ويقع منبع العين داخل البلدة من تحت ربوة عالية هي من بقايا لقلعة مرتفعة أقيمت في العصور المتاخرة على مرتفع يرى البعض من المتاخرين انه كان هيكلاً للوثن ((عشتروت ))ومنه اشتق اسم الجزيرة . هذا الاختلاف في التسمية خلق تضاربا لدى الباحثين المحدثين فاختار كل منهم اسما يراه مناسبا من وجهة نطره . فالباحث الاستاد محمد سعيد المسلم برايه الحترم كان له اثر على من تلوه من الباحثين والمؤرخين مثل السيد المسعري ، والسيد أبو بكر عبد الله محمد ، حيث أرجعوا أصل التسمية لهذه الجزيرة هو ((تيروس )) بينما نجد أن أغلب المؤرخين يرجعون أصل تسميتها (( عشتاروت )) وكذا سار بعض المؤرخين المحدثين مثل (( على ابراهيم الدرورة )) الذي يعلل قوله بأن (( تيروس )) أو (( تاروس )) هذا بحد ذاته ليس بالأصلي ، لأن تيروس وثارو وتارو وعشتاروت وعشتروت وتاروت وغيرها من التسميات التي أطلقتها كل أمه على هذه الجزيرة حسب لغتها القومية . وهذا يعني التأكيد على أن الاسم الأصلي لتاروت مشتف من معبودة الفينيقيين لذا يرى (( الدرورة )) هذا الاسم على هذه الجزيرة نسبة للمعبود (( عشتاروت )) معبود الحب والجمال ، بينما لم يتوصل حتى الأن الى تسمية الجزيرة قبل ذلك أي قبل التسمية ((عشتاروت)) وسار معه الأستاذ (( عبد الله شباط )) حيث يرى أصل التسمية أن : (( مما ورد في ذلك أن تسميتها بتاروت ما هو الا تحريفا لاسم فينيقي قديم هو (( عشتاروت)) وهو اسم وثن من معبوداتهم )) ونجد أن السيد الفاضل محمد بن صالح الفارس رجل الاثار المعروف بمنطقه القطيف له رأي في أصل التسمية لـ (( تاروت )) وقد ادلى به لجريدة الندوة وكذا جرية اليوم . ويرجح أم يكون رأيه أكثر واقعية مستندا في ذلك الى وثائق تاريخية المتمثلة في (( التنقيبات الآثارية )) وآراء لمجموعة من الباحثين فقال : (( … أعود لما كنا بصدده وكما أسلفت القول آنفا من أن اعتبار الأثار هو الليل المعتبر ولقد عثر على أحجار كريمة فينيقية منذ سنوات طويلة من بينها حجر غير شفاف حليبي اللون صار بحوزة الأديب المرحوم (( خالد الفرج)) يحتوي على صورة رائعة لآلهة الجمال عشتاروت .. الى أن قال :
وصفوة القول ان المرحوم يشاركني الرأي فيما ذهبت اليه بكون اسم تاروت مأخوذ من عشتاروت . وكذا أشار الى ذلك الأديب الكبير الشيخ حمد الجاسر بمحاضرة ألقاها بجامعه الملك فيصل عن العلاء بن الحضرمي حاكم الحرين . وكذلك جاء بساحل الذهب الأسود للمؤرخ الأستاذ محمد سعيد المسلم ، كما تضمنه كتاب تاريخ العرب قبل الاسلام الطبعه الأولى في الجزء الأول وفي الطبعه الأخيرة سمي مفصل تاريخ القبائل العربية قبل الاسلام للعلامة الدكتور (( جواد علي )) ما نصه : (( أن اسم تاروت هي عشتاروت )) حذف المقطع الأول وبقي الثاني . وختم قوله : ومع اتفاق هذه الآراء على أصل الأسم والمسمى التي أراها قرينه الصواب ))
ويرى آخرون بأن : (( إسمها في الأصل عشتاروت ، و أنها كانت معبدا للآلهة عشتاروت الفينيقية تطرق اليه التحريف ، فحذف منه المقطع الأول اختصارا وصارت تعرف بالمقطعين الأخيرين (( تاروت )) . وعشتاروت أو عشتروت اسم للبعلة معبودة الفينيقيين التي كانوا يقدمون لها الذبائح البشرية والتي لها تماثيل مجسمة في دير القلعة بلبنان ))
وعشتاروت (( في الأصل آلهة كنعانية تسربت عبادتها الى العبرانيين تعرضت التوراة لذكراها في مواضع شتى (وتركوا الرب اله آبائهم الذين حولهم وسجدوا لها وسخطوا الرب وتركوا الرب وعبدو البعل والعشتاروت )) نستخلص مما سبق بأن اقتران اسم عشتاروت قديما على هذه الجزيرة الجميلة ليس عفوياَ ، فهي موطن الفينيقيين الأصلي قبل نزوحهم الى سواحل البحر الأبيض المتوسط وقد أدلى بذلك المؤرخين حيث قالوا بأن :
(( اقامة الفينيقيين كانت في باديء الأمر في جزيرتي (( تيروس )) ((جزيرة تاروت حاليا ))(( و آراد))
احدى جزر البحرين التي تسمى عراد أو المحرق حالياَ ))
ومما كتبه الشيخ حمد الجاسر :
(( فالجزيرة كانت موطناَ قديماَ للفينيقيين قبل نزوحهم الى شواطيء البحر الأبيض المتوسط . فقد جاء في تاريخ لبنان نقلاَ عن بعض مؤرخي اليونان ، بأن أهل هذه الجزيرة كانوا يباهون بأنهم هم الذين أسسوا صور وارواد ولا تخلو هذه الجزيرة من بعض آثارهم ))
وقد اشار صاحب منجد العلوم الى أن مواطن الكنعانيينكان أساساَ على ساحل خليج كيبوس ثم ارتحلت الى سوريا .. ومنها نشأ (( الفينيقيون ))
اذاَ فالتسمية ليست عفوية . فعشتاروت بالنسبة للفينيقيين هي موطنهم الأصلي ، ومعبودتهم هي رمز الحياة والجمال ، وقد كانت أرضهم كأجمل ما تكون خضرة يانعة وينابيع متذفقة ، ومن هنا فلا غرابة أن يطلق الفينيقيون اسم معبودتهم على أرضهم الجميلة ليكون اسماَ أصلياَ وفي مقدورنا أن نتبين الأهمية التي أضفاها الفينيقيون لهذه الجزيرة من نقطتين هامتين هما :
- أنها موطنهم الأصلي .
- و ثانيهما : موقعها الاءستراتيجي المتميز في منطقة الخليج ، فهي مرفأ تجاري ممتاز للسفن الفينيقيةوكانت تستورد الأخشاب والتوابل من دول العالم آنذاك ، كما تخرج مراكبهم محملة بخيرات ارضهم ومصنوعاتهم المحلية لدول العالم . فقد كانت تمر بها بعض الطرق التي تسلكها الخطوط التجارية من جنوبي الجزيرة وغبها الى شاطيء الخليج وخير دليل على ذلك شعر الأعشى الذي يشير فيه الى قوافل الجمال التي كانت تمر بالهناء الى شاطيء القطيف أوساحل تاروت حيث يحملها التجار بالسلع التي كانت توجد في سوق (( دارين )) أحد موانيء جزيرة تاروت وتعود بعدها حاملة السلع والثمار :
- يمرون بالدهناء خفافاَ عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب
- على حين ألهى الناس جل أمورهم فنذلاَ زريق المال نذل الثعالب

ودارين هذه معروفه كقريه من قرى الجزيرة . وقد كانت سوقاَ من أسواقها التجارية ومرفاَ مهماَ في منطقة الخليج تابعاَ للبحرين . وقد وصفها ياقوت الحمودي : (( بأنها فرضة بالبحرين ، يجلب اليها المسك من الهند ، وقد كانت في سالف عهدها مرفأَ تجارياَ مهماَ وهمزة وصل بين تجارة الشرق والغرب وقد اشتهرت باستيرادها البضائع من الهند كما اشتهرت بما يردها من التوابل والعطور))
وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر بأن جزيرة تاروت من الموانيء الهامة في الخليج فقال : وتعتبر جزيرة تاروت من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف ، فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فية السفن القادمة من موانيء الخليج ومن بحر العرب ومن موانيء الهند))
و أعود من جديد لأقرر بأنه لا غرابة أن تكون التسمية التاريخية لهذة الجزيرة الخضراء هو عشتاروت . وخاصة عندما (( عثر أخيراَ منذ سنوات في أحد بساتينها على تمثال من الذهب الخالص للبعلة عشتاروت )) وما عثر علية من أوان فخارية وتماثيل اخرى ترجع الى العهد الفينيقي ويكفي نظرة في متحف الرياض الوطني ليرى الانسان آثار الفينيقيين التي عثر عليها في هذه الجزيرة ، مما يدفعني الى ترديد عبارة السيد محمد بن صالح الفارس (( من أن الآثار هو الدليل المعتبر )) على اساس أن ما تركته حضارات الماضي من آثار يمكن الاعتماد عليها في معرفة أصل التسمية ويحدثنا التاريخ الحديث بأن المصادر الأصلية سواء المادية منها أو الروائية يمكن أن نستخلص ما جاء عنها عفواَ عن تلك العصور يعوضنا كثيراَ عن التحري . فحينما نعثر على تمثال للبعلة (( عشتاروت )) فاننا نعتبر ذلك التمثال مصدراَ تاريخياَ مباشراَ وأثراَ حقيقياَ ، واذا ما توصلنا الى تاريخ تلك الحضارة ومطن أهلها ، فننا نصل الى حقيقة تاريخية أصيلة لا يمكن الطعن فيها ولا التجريح فكيف اذا قورن ذلك المصدر التاريخي الثري بدراسات تاريخية لؤرخين قدامى يرجعون اصل التسمية الأصلية لهذه الجزيرة الى البعلة (( عشتاروت )) فاءننا بالتاكيد نصل الى التي بقيت هذه الجزيرة
محتفظة به الى يومنا هذا بعد حذف المقطع الأول (( عش )) لتبقى (( تاروت ))علماَ لجزيرة لها وزنها وقيمتها في سالف العصور .

 

 

Free Web Hosting